في ظل تصاعد الاهتمام العالمي بالدراسات الإسلامية، يبقى التشيّع كمدرسة عقائدية وتاريخية، مركز اهتمام خاص في الأوساط الاستشراقية الغربية، فقد حفلت المكتبات والمجاميع الأكاديمية الأوروبية بمئات المؤلفات التي تناولت هذا المذهب، فيما يبقى التساؤل الأبرز حول ما إذا أنصفت هذه الأقلام، مذهب أهل البيت "عليهم السلام"؟
وضمن هذا الإطار، يقول الدكتور "عبد الجبار الناجي"، أحد أبرز الباحثين في هذا المجال، "لم يخطر ببالي، وأنا أرسم خارطة البحث في علاقة الاستشراق بالتشيع، أن أجد هذا الكم الهائل من الكتابات، وهذا التركيز النوعي من قبل المستشرقين على هذا المذهب".
لكن هذا الحضور الكثيف لم يخلُ من شوائب كبيرة، إذ يؤكد "الناجي" إن معظم ما كُتب جاء محمّلاً بالأحكام المسبقة، ومفتقراً إلى الموضوعية والدقة، فغالبية المستشرقين – كما تشير الدراسات – اعتمدوا على مصادر سنّية منحازة ومتأثرة بأيديولوجيات سلطوية كرّست الإقصاء والتشويه بحق أتباع مدرسة أهل البيت، مما جعلها مادة خصبة لمن أراد الطعن باسم "الداخل الإسلامي"، ولأن أغلب تلك المصادر كانت تشكّل المنفذ الوحيد للمعلومة، فقد شكّلت مرتكزاً للعديد من المغالطات المنهجية.
هذا ولم يكن دافع المعرفة وحده هو ما حرك بعض المستشرقين، إذ تؤكد الوثائق التاريخية إن كثيراً من تلك الدراسات كانت جزءاً من سياسات استعمارية تهدف إلى تأجيج الانقسامات بين المسلمين، لا سيما عبر التركيز على الخلافات العقدية، وتحويلها إلى معارك هوياتية.
لكن على الطرف الآخر، ظهرت أصوات أكثر اتزاناً، وأدركت أن التشيع قد أُقصي عمداً من المشهد التاريخي الرسمي، ما دعا بعضها إلى الدعوة لاستبعاد المصادر المنحازة في كتابة تاريخ هذا المذهب، بحسب ما يؤكده الدكتور "الناجي".
وكان من بين أبرز الأدوات التي استخدمها المستشرقون للطعن بالتشيع كتاب "دبستان مذاهب" الذي يُعتقد أن مؤلفه من أتباع الزرادشتية، وقد تبنته شركة الهند الشرقية البريطانية وروّجت له بقوة، وكان من أكثر ما أثار الجدل فيه، الزعم بأن الشيعة يؤمنون بقرآنٍ خاص يحتوي على سورتين مختلقتين هما "النورين" و"الولاية".
وقد تلقفت هذه الادعاءات دوائر الاستشراق البروتستانتية في الهند والغرب، وطوّرتها لتُدرَج لاحقاً في موسوعات ودراسات تناولت الإسلام من منظور طاعن، مما وفر لاحقاً مادة جاهزة للوهابية وحلفائها في الهجوم على الشيعة وربطهم بالمؤامرات.
وعلى الرغم من هذا التيار الجارف من التشويه، لا يمكن إغفال بعض الجهود الأكاديمية المنصفة القليلة التي بذلها مستشرقون تحلّوا بالنزاهة العلمية، وسعوا إلى التحقيق والتدقيق في التراث الشيعي دون انحياز، إلا أن صوتهم ظلّ خافتاً وسط ضجيج الدعاية.
واليوم، وضمن متطلبات المرحلة من المؤسسات العلمية والبحثية، يبرز مركز كربلاء للدراسات والبحوث، كجهة فاعلة في إعادة قراءة هذا النتاج، وتقديم نقد معرفي منهجي له، يحفظ الهوية ويكشف زيف الصورة التي رسمها الآخر عن هذا المذهب الأصيل.